تليُّف الرحم يزيد خطر وفاة الجنين

تُعتبر الأورام الليفية الرحمية (تليُّف الرحم) من أكثر الحالات النسائية شيوعًا التي تؤثر على النساء في سن الإنجاب. وعلى الرغم من أن العديد من النساء المصابات بهذه الأورام يعيشْنَ حملًا طبيعيًا دون مضاعفات، إلا أن وجود الأورام الليفية في الرحم قد يشكّل تهديدًا كبيرًا على صحة الجنين، وقد يزيد من خطر وفاة الجنين سواء قبل الولادة أو أثناءها. إن فهم تأثير تليُّف الرحم على الحمل ومخاطر الوفاة الجنينية يتطلب دراسة معمقة لما تسببه هذه الأورام من تغييرات في بيئة الرحم، وكيف تؤثر على تطور الجنين وسلامته.

الأورام الليفية الرحمية: التعريف والتصنيف

الأورام الليفية الرحمية هي أورام حميدة تنشأ من العضلات الملساء في جدار الرحم. وتتفاوت في حجمها وموقعها وعددها، وتُصنف عادة إلى ثلاثة أنواع رئيسية حسب موقعها:

• الأورام الليفية تحت المخاطية (Submucosal fibroids): تقع تحت بطانة الرحم مباشرةً، وتبرز في تجويف الرحم.

• الأورام الليفية داخل جدار الرحم (Intramural fibroids): تنمو داخل جدار العضلة الرحمية، وتشكل النوع الأكثر شيوعًا.

• الأورام الليفية تحت المصليّة (Subserosal fibroids): تنمو على السطح الخارجي للرحم.

حجم الأورام وعددها وموقعها يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مدى تأثيرها على الحمل ومخاطرها الصحية.

كيف يؤثر تليُّف الرحم على الحمل؟

الأورام الليفية الرحمية تؤثر على الحمل من عدة نواحي حيوية، بدءًا من تثبيت الجنين ونموه، مرورًا بالتأثير على تدفق الدم إلى المشيمة، وصولاً إلى مشاكل في الولادة. فيما يلي أبرز التأثيرات:

1. اضطراب بيئة الرحم

الأورام الليفية، خاصةً التي تنمو تحت بطانة الرحم أو داخل جدار الرحم، تغير من طبيعة بطانة الرحم، مما يؤثر على التصاق البويضة الملقحة ويعيق تطور الجنين في مراحله الأولى. هذا الاضطراب قد يؤدي إلى الإجهاض المبكر أو توقف نمو الجنين.

2. نقص التروية الدموية للجنين

الأورام الليفية يمكن أن تضغط على الأوعية الدموية التي تغذي المشيمة، مما يقلل من تدفق الدم والأكسجين إلى الجنين. نقص التروية الدموية هو عامل رئيسي في ضعف نمو الجنين داخل الرحم، وزيادة احتمال حدوث ولادة مبكرة أو وفاة الجنين.

3. تشوهات في شكل الرحم

بعض الأورام الليفية تسبب تشوهات في تجويف الرحم، مما يغير من شكل الرحم ويؤثر على مساحة نمو الجنين. هذا قد يؤدي إلى تموضع غير طبيعي للجنين، كأن يكون في وضع مائل أو غير مناسب، مما يزيد خطر الولادة المبكرة أو مشاكل في عملية الولادة.

4. زيادة خطر الولادة المبكرة

تليُّف الرحم يُعد عاملًا مساهمًا في حدوث الولادة المبكرة. الأورام الكبيرة قد تثير انقباضات رحمية غير منتظمة، أو تؤدي إلى تمزق مبكر للأغشية المحيطة بالجنين، مما يعرضه لمخاطر صحية كبيرة قد تؤدي إلى الوفاة.

الأدلة العلمية على علاقة تليُّف الرحم بوفاة الجنين

أظهرت الدراسات الطبية الحديثة وجود ارتباط واضح بين تليُّف الرحم ومضاعفات الحمل التي تزيد من خطر وفاة الجنين. تحليل هذه الدراسات يقدم فهمًا أعمق للمخاطر ويؤكد ضرورة المتابعة الدقيقة للنساء المصابات بهذه الأورام.

• دراسة تحليلية في مجلة طب النساء والتوليد وجدت أن النساء اللاتي يعانين من أورام ليفية كبيرة الحجم خلال الحمل يكنّ أكثر عرضة للإجهاض المتكرر ووفاة الجنين مقارنة بالنساء غير المصابات.

• تقرير من الجمعية الأمريكية للحمل (ACOG) أكد أن الأورام الليفية التي تزيد عن 5 سنتيمترات ترفع من خطر النزيف والولادة المبكرة، وهما عاملان مرتبطان بشكل وثيق بزيادة معدلات وفاة الأجنة.

مضاعفات الحمل المرتبطة بتليُّف الرحم

تؤدي الأورام الليفية خلال الحمل إلى مجموعة من المضاعفات التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على حياة الجنين، منها:

النزيف الحاد

يمكن أن تسبب الأورام الليفية نزيفًا رحميًا حادًا خلال الحمل أو الولادة، ويعود ذلك إلى تأثيرها على جدران الرحم أو تمزق الأوعية الدموية المتصلة بها، مما يهدد استقرار الحمل ويعرض الجنين لنقص الأكسجين.

انفصال المشيمة

وجود الأورام الليفية يزيد من احتمالية انفصال المشيمة المبكر، وهي حالة طارئة تحدث عندما تنفصل المشيمة عن جدار الرحم قبل الولادة، مما يؤدي إلى نقص حاد في إمداد الجنين بالأكسجين والمواد الغذائية، وقد تسبب وفاة الجنين.

اضطرابات في نمو الجنين

الأورام التي تضغط على الرحم أو المشيمة تسبب ضعف نمو الجنين داخل الرحم (Intrauterine Growth Restriction – IUGR)، مما يقلل من فرص بقاء الجنين على قيد الحياة، ويزيد من خطر الوفاة قبل الولادة أو أثناءها.

العوامل التي تزيد من خطر وفاة الجنين عند وجود تليُّف الرحم

لا تزداد المخاطر بشكل موحد عند جميع النساء المصابات بالأورام الليفية، بل تتفاوت وفق عدة عوامل أساسية:

• حجم الأورام: كلما زاد حجم الأورام الليفية، زاد احتمال تأثيرها على تدفق الدم ومساحة تجويف الرحم.

• عدد الأورام وموقعها: الأورام التي تكون قريبة من المشيمة أو تحت بطانة الرحم تزيد من احتمالية حدوث مضاعفات.

• وجود مضاعفات أخرى: مثل التهابات الرحم أو مشاكل صحية أخرى تصاحب الحمل.

• توقيت اكتشاف الأورام: التشخيص المبكر يتيح متابعة أفضل، أما الأورام المكتشفة خلال الحمل فتشكل خطرًا أكبر بسبب عدم إمكانية التدخل الجراحي في كثير من الحالات.

كيفية التشخيص والمتابعة الطبية

تكمن أهمية الكشف المبكر عن الأورام الليفية و مراقبة الحمل بدقة في الحد من المخاطر المرتبطة بها. وتشمل الوسائل الطبية المستخدمة:

• الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): الفحص الأساسي لتشخيص الأورام الليفية خلال الحمل أو قبله، لتحديد حجمها وموقعها.

• الرنين المغناطيسي (MRI): يستخدم في حالات معقدة لتقييم أفضل لتأثير الأورام على الرحم والجنين.

• الفحوصات الدورية: متابعة حجم الأورام وحالة الجنين باستمرار خلال الحمل.

خيارات العلاج أثناء الحمل

في معظم حالات الحمل التي تعاني من الأورام الليفية، يفضل الأطباء مراقبة الحالة دون تدخل جراحي بسبب مخاطر العمليات أثناء الحمل. لكن هناك بعض التدابير التي قد تساعد في تقليل الخطر:

• المراقبة الدقيقة: فحص منتظم لرصد نمو الأورام وحالة الجنين.

• الراحة وتقليل الأنشطة الشاقة: لتقليل احتمالية حدوث انقباضات مبكرة.

• العلاج الدوائي: في بعض الحالات قد يتم استخدام أدوية لتقليل الأعراض مثل الألم أو النزيف، مع الحذر من تأثير الأدوية على الجنين.

• الولادة القيصرية: في حال وجود أورام كبيرة تعوق الولادة الطبيعية، تُفضل الولادة القيصرية لتقليل مخاطر الولادة المبكرة أو النزيف.

التحديات في علاج الأورام الليفية وتأثيرها على الحمل

يُعد علاج الأورام الليفية خلال الحمل من أصعب التحديات الطبية، بسبب الحاجة إلى موازنة بين سلامة الأم والجنين. التدخل الجراحي أثناء الحمل يحمل مخاطر عالية للإجهاض أو الولادة المبكرة، مما يجعل الأطباء يعتمدون بشكل أساسي على متابعة الحالة ودعم الأم للتقليل من المضاعفات.

وفي حالات الضرورة القصوى، قد يلجأ الفريق الطبي إلى استئصال الأورام الليفية التي تسبب مضاعفات حادة مثل النزيف غير القابل للسيطرة أو الضغط على أعضاء أخرى.

ملخص تأثير تليُّف الرحم على وفاة الجنين

تليُّف الرحم يمثل عامل خطر مهم يهدد حياة الجنين من خلال تأثيره على بيئة الرحم، نقص التروية الدموية، تشوهات التجويف الرحمي، وزيادة احتمالية الولادة المبكرة أو النزيف. تختلف المخاطر حسب حجم الأورام وموقعها وعددها، كما تعتمد على سرعة التشخيص وجودة الرعاية الطبية.

يُبرز هذا الواقع أهمية التشخيص المبكر والمتابعة المستمرة للحمل عند وجود أورام ليفية، إلى جانب اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية المناسبة للحفاظ على صحة الأم والجنين وتقليل معدلات الوفاة الجنينية.

جدول يوضح العوامل المرتبطة بزيادة خطر وفاة الجنين بسبب تليُّف الرحم

المصادر والمراجع

• American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). Practice Bulletin No. 228: Management of Symptomatic Uterine Leiomyomas. Obstet Gynecol. 2021.

• Parker WH. Uterine fibroids: Diagnosis and treatment. Am Fam Physician. 2007;75(10):1503-1508.

هذا المقال يوضح بعمق العلاقة بين تليُّف الرحم ومخاطر وفاة الجنين، مع التركيز على الأسس الطبية والعلمية، وكذلك العوامل المؤثرة وطرق التشخيص والمتابعة التي تعزز من فرص الحمل الآمن وتقليل المضاعفات المحتملة.